شهدت الساحة السياسية المغربية، في الأسبوع الأخير خصوصا، مشاهد مثيرة للجدل، كان أبرزها بكاء محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
هذه اللحظات، التي كان يُفترض أن تُعزز قوة الخطاب السياسي، تحولت إلى مادة للسخرية والنقد اللاذع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها كثيرون دليلاً على إفلاس الخطاب الحزبي وعجزه عن تقديم حلول ملموسة لمشاكل المواطنين.
دموع أوزين، التي رافقت حديثه عن معاناة أبناء قريته وعن مأساة أمه الراحلة، لم تُقرأ لدى الرأي العام باعتبارها تعبيراً عن إنسانية القائد، بقدر ما اعتُبرت محاولة لاستدرار عطف الناخبين قبل الاستحقاقات المقبلة.
أما بنكيران، فقد عُرف ببكائه المتكرر في المهرجانات الخطابية، وهو سلوك لا يمكن أن يقرأ، بكل بساطة، إلا كأسلوب لإخفاء العجز عن إقناع الناس بالبرامج والأرقام، أو كسب التعاطف في أفضل الأحوال.
من الناحية النفسية، يرى خبراء أن الدموع في مثل هذه السياقات ليست مجرد انفعال عابر، بل قد تعبّر عن ضغط داخلي عميق وشعور بالعجز أمام التحديات.
في بعض الحالات، يمكن أن تكون محاولة للتفريغ النفسي أو وسيلة غير واعية للتواصل مع الجمهور.
غير أن صعوبة التمييز بين الصدق والتصنّع تجعل هذه المشاهد سلاحاً ذا حدّين: قد تكسب تعاطفاً آنياً، لكنها تفقد المصداقية على المدى الطويل.
المفارقة أن هؤلاء السياسيين لا يبكون حين تُرفض قوانين في البرلمان، أو حين تتعثر مشاريع تنموية، أو حين ترتفع نسب البطالة، بل يذرفون دموعهم أمام الكاميرات وفي مهرجانات انتخابية، وكأنهم اكتشفوا فجأة أن المغرب فيه فقراء وأن القرى تفتقر للبنية التحتية. هل كانوا بحاجة إلى دموع، حقا، ليعرفوا ذلك؟
كما أن المواطن المغربي، الذي يواجه يومياً تحديات اقتصادية واجتماعية، لم يعد يبحث عن سياسي يبكي معه أو من أجله، بل عن مسؤول يفهم أسباب بكائه ويحوّلها إلى سياسات عمومية، فالسياسة ليست مسرحاً للعاطفة، بل فضاءً لصناعة القرار وتحمل المسؤولية.
دموع السياسيين قد تثير العاطفة للحظة، لكنها لا تُبني بها مستشفيات، ولا تُعبَّد بها طرق، ولا تُوفَّر بها فرص عمل، بل على العكس، قد تصبح رمزاً للفراغ السياسي حين تتحول إلى بديل عن البرامج والجرأة في التنفيذ.
وإذا كان لا بد من البكاء، فمكانه البيت لا المنصة. أما السياسة، فهي تحتاج إلى عقل بارد، وإرادة صلبة، وقدرة على تحويل المعاناة الشعبية إلى أفعال لا إلى دموع.
